نيرون العصر: دهاليز الاحتلال الإسرائيلي ومسيرة المقاومة الفلسطينية نحو النصر

نيرون العصر يتيه في دهاليز اسبرطة

حملت اسرائيل بذور فناءها في تأسيسها، فقد بنيت على فكرة أن اليهود شعب بلا أرض، يحتلون أرضا بلا شعب، وهذه خدعة كبرى، جعلتهم يحرقون الأخضر واليابس، ويحاولون محو الآثار التاريخية، فالهمج أعداء التاريخ والحضارة والإنسانية، ظانين بذلك أن بإمكانهم إبادة أمة ومحوها من على ظهر البسيطة بين عشية وضحاها حتى يخلو لهم الجو والمكان ليحل محلهم شذاذ الآفاق من يهود شتات العالم.

وبدأت حرب الإبادة منذ 1948 م بحرق القرى والمدن، والقتل والتشريد، سعيا لإفراغ الأرض المحتلة من السكان الأصليين، فتصدى المقاومون كل بما يستطيع، وقاتل الأطفال والشيوخ والنساء بإمكاناتهم البسيطة، فنجد الطفل يطارد الدبابة بحجر في يده، ثم واجهوا بالأسلحة الخفيفة، على أن العرب مجتمعين واجهوا إسرائيل وهزمتهم، ثم بعد ذلك كما هي عادة اليهود نجحوا في شق الصف الفلسطيني وأقنعوا حركة فتح بإلقاء السلاح والانخراط في السلام الذي جر على الأمة ثوب الوبال والخذلان، فأضحت الضفة مسالمة ليهود غير مسالمين أخضعوهم لرغباتهم وبالتالي سقطت الضفة ولم يتبقى إلا النزر القليل منهم، وبقيت غزة صامدة متمسكة بسلاحها الذي هو شرفها، وحافظت عليه وطورته حتى صارت تمللك القنابل المضادة للدبابات، وقادرة على أن توجه ضربات موجعة تقض مضاجع اليهود بصواريخ تحمل أسماء شهداء خلدوا ذكرهم في التاريخ بدلا ممن والى الغرب وفاوض المحتل وخنع لشروطه، “فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون”؟!

وعلى هذه الأرض المباركة المعطاء فاضت أرواح شهداء متشبثين بأرضهم، جراء احتلال غاشم تتابعت عليه سنون من التدمير الممنهج، طيلة حكام دولة اسرائيل منذ تأسيسها.

وسار نيرون العصر النتن على خطى أسلافه كمناحيم ورابين وشارون وغيرهم، وجسد عصر الدماء والاغتيالات، وهو سفاح عنيد فاق سلوكه الفج جميع الشخصيات المعقدة نفسيا “السيكوباتية” وقد جمع جميع أوصاف نيرون الخبيثة، فهو نرجسي حتى النخاع، ومصاب بتضخم الأنا، ويتهرب من المسؤولية بإلقاءه اللوم على الآخرين، وإنكار جرائمه التي اقترفتها يداه. والغريب أنه تم انتخابه على أساس تاريخه الدموي.

ذلك الشعب الذي آتاه نصرا

هو بالسبة من نيرون أحرى

أي شيء كان نيرون الذي

عبدوه كان فظ الطبع غرا

بارز الصدغين رهلا بادنا

ليس بالأتلع يمشي مسبطرا

خائب الهمة خرار الحشايا

إن يوافق لحظه باللحظ فرا

وكما ابتهج نيرون بحرق روما ينتشي النتن بإلقاء أطنان الحمم على غزة، لكنه لا يقتل الفلسطينيين وحدهم بل يقتل معهم الأسرى الاسرائيليين، وهذا ما يسلبه فرحته، ليؤلب ذلك عليه الشارع اليهودي، وسيواجه بذلك مصيرا مشابها لنيرون إما أن يعدم، أو يفر، أو ينتحر. فهو يسير في دهاليز نفق مظلم لا نهاية له، ويحمل شعبه إلى حالة من الهستيريا لن يستيقظوا إلا وقد لفظهم التاريخ، وعاد الوطن السليب إلى حضن أهله من جديد.

ينظر اليهود للفلسطيني كعبء على الأرض يمنع تحقيق حلمهم ببقاءهم متفردين بالوجود، وهذه النظرة العنصرية ذات النزعة الاستئصالية دفعتهم إلى الإمعان في القتل، ظنا منهم أن خلق حالة من جحيم لا يطاق يمكن أن يفرض على الفلسطينيين مغادرة أرضهم، لكن السحر انقلب على الساحر وانبرت المقاومة لمجابهة هذا المشروع الاستيطاني، وواجهت الدعم الغربي اللامشروط للمحتل.

ومع تقدم وسائل الإعلام لم يعد بإمكان اسرائيل التستر على جرائمها، فضحها الإعلام الجديد كوسائل التواصل الاجتماعي والقنوات وغيرهما. ولم يعد بمقدور الغرب الذي يتغنى بالحرية وحقوق الإنسان أن يغض الطرف عن فظاعات المحتل، فلوح بالعقوبات كما فعلت بعض الدول الاوروبية، وقطعت بعض دول آمريكا اللاتينية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

وتجاهلت الدولة العبرية هذه الحقائق فترة من الزمن، ثم اعترف النتن بالكارثة بأن اسرائيل ليست في عزلة دولية بل هي محاصرة، وعليها أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد، وهذا ما بشر به السنوار بأن دولة الكيان ستجرها المقاومة إلى عزلة دولية، وهي مرحلة صارت اسرائيل فيها سبة ومعرة في جبين الإنسانية جمعاء، وهذا ما حدا بالنتن إلى استدعاء نموذج اسبرطة.

هذا الاستدعاء التاريخي يفضح دولة الكيان، لتشابه الدولتين، فهي دولة عسكرية ممقوتة من محيطها كما حال الكيان، واقتصادها مغلق، وتعتمد على التقشف، فأكثرية الموارد ستخصص للناحية العسكرية وهذا مدمر للاقتصاد والحالة المعيشية للفرد لدولة تعتاش على الإعانات الدولية. ومجتمعها يحتقر المرأة كما هو شأن الحريديم.

هذا التغني بنموذج اسبرطة هو نذير شؤم للكيان المحتل، الذي فيما يبدو يعيش آخر مراحله، ويعود للقرون الوسطى ويتشبث بدولة ترمز للدكتاتورية والاستبداد.

هذا التصريح من أعلى شخصية في هرم سلطة الدولة العبرية، ستكون له عواقب وخيمة، منها هجرات جماعية، فالشركات اليهودية لا تنتح فقط للسوق المحلي، والاكتفاء الذاتي وهم، فلا يمكن لدولة مهما كانت قوتها الاستغناء عن العالم. وسيزيد السخط الداخلي على دولة الكيان.

هذا بالإضافة إلى مظاهر مفزعة صارت تتعالى بها أصوات صراخ الجنود تحت قبة الكنسيت، كانتشار الأمراض النفسية داخل الجيش، والحديث عن أرقام مهولة لحالات الانتحار نتيجة للصدمة أثناء الحرب أو رفضا للعودة إلى القتال في غزة، وهناك فضائح وابتزاز لإجبار النساء على الذهاب لساحات القتال في غزة.

تمر الدولة المحتلة بحال لا تحسد عليه من الازمات الخانقة على جميع الأصعدة، وهي تفقد الحليف تلو الآخر، ونقترب شيئا فشيئا من تسليم النتن للمقصلة في ظل تدهور الإقتصاد، وتداعي أعمدة الكيان، وقد ينتهي المطاف بحرب أهلية داخل الدولة المحتلة.

وثالثة الأثافي أنه كما فتكت طيبة بإسبرطة فستنهي غزة حكم الكيان، وكل جيل يسلم الراية لمن يأتي بعده، ودم الشهداء يحيي في الغزيين روح العزة والكرامة، ومن يحاول طمس الهوية الفلسطينية والقضاء على المقاومة كمن يحاول حجب ضوء الشمس بغربال.

ودم الشهداء يغلي في أرض الرباط ليحرر الأرض ويوقظ في الأمة حب التضحية والشهادة في سبيل الأرض المقدسة.

فهاهي غزة تزف قادتها وشهداءها وكأنها ورثت الشهادة والمجد التليد كابرا عن كابر فأبوا أن تنحني رؤوسهم إلا لله وكلهم يموت شامخا كالنخلة متمسكا بدينه تاليا لقرآنه والمرأة متمسكة بحجابها وتربية أولادها على الحنيفية السمحة وهذا ما يحاربون من أجله وكلهم كالطود الشامخ لا يتزحزح قيد أنملة ماشاء الله لا قوة إلا بالله ليعلموا العالم الإسلامي دروسا في الثبات والتضحية من أجل الأمة والوطن والذود عن مسرى الرسول صلوات الله وسلامه عليه وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تخلد في الذاكرة الجمعية الانسانية.

وسواء قتل الاحتلال وشرد خيرة أهل زمانهم فإن الفكرة لن تموت وسيبعث الله لهذه الأمة من يجدد له أمر دينها ويرفع راية الجهاد وستتضح الصورة أكثر للأمة والعالم من الظالم والعدو الحقيقي. والأمة الإسلامية خصيبة وستظل على مر كر الدهور والأزمان قادرة على إنجاب أبطال كعمر بن الخطاب الفاروق وصلاح الدين ومحمود الزنكي ويوسف بن تاشفين والشيخ أحمد ياسين وما أبو عبيدة منا ببعيد. نعم ستنتصر الأمة بإذن الله وكلما خلا منا سيد قام سيد. نحن أمة لا تموت لكنها قد تمر بلحظات عصيبة كما يذكر حالها اليوم بحال الحروب الصليبية والنصر بإذن الله تعالى حليف هذه الأمة التي يتولى اليوم أصحاب أكناف بيت المقدس العبء الأكبر والتاريخي ولن يضرهم خذلان القريب وتواطئه مع العدو “لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء”.

وسيجد النتن نفسه وحيدا ومحاصرا في مواجهة مقت العالم له، والخوف من محاكمته، فيكون بين نارين، وخيارين سيئين، لأسوإ شخصية عرفتها البشرية، فنجاته مستحيلة لأنه أحرق جميع مراكبه، محاولا بعد كل الفشل الذي واجهه إغراق الجميع، فيهلك وينهي آخر دولة استعمارية عرفها العصر الحديث.

 وسيكون بعد هذا المخاض العسير وحروب النتن العبثية والتدميرية، لشخص مريض نفسيا، ميلاد مرحلة جديدة تمهد لخلافة تحكم الأرض حينها سيعض الظالم على يديه وستتهاوى عروش أنظمة الحكم الجبري الجاثم على صدور الأمة وهو سبب نكبتها الحقيقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى