المعلم استثمار منسي في معادلة التنمية / سلطان البان

لا يختلف المهتمون بالشأن العام على أن التعليم هو قاعدة النهضة وأساس الاستقرار، ومنبعه الذي يتدفّق منه وعي المجتمع وسلوكه الحضاري. يدرك العارفون أن المعلّم هو محور الرحى في أي إصلاح تربوي، وأمله الأوحد في إعداد أجيال قادرة على حمل المشروع الوطني. ورغم بساطة هذه الحقيقة وبداهتها، فإن صانع القرار في بلادنا يبدو وكأنه يلتزم نقيضها تمامًا.
فالزيادة الأخيرة صارت حديث المجالس: منح سخيّ للقضاة وكتّاب الضبط، وصفر كبير مخصص للمعلّمين. ليست القضية مجرد أرقام على ورق، بل هي رسالة قاسية تختزل مكانة من يعلّم أبناء الوطن، وتضعه في ذيل سلّم الاهتمام، بينما يكدّ يوميًا في قرى نائية ومدن منسية.
أما المبرر المتداول بأن عدد المعلّمين كبير، فهو ذريعة لا تصمد أمام الحقيقة. فهذه الكثرة لم يأت بها مزاج سياسي ولا محاباة عابرة، بل اقتضتها الحاجة البديهية لمعلّم حاضر في كل ركن من أركان البلد، ليتولى نشر العلم ومقاومة ظلام الجهل. إن الوفرة هنا ليست فائضًا مزعجًا، بل انعكاسًا لطموح مجتمع يسعى لتعميم التمدرس.
وليس هذا المشهد جديدًا؛ فالمعلّمون يعايشون منذ سنوات صورًا صارخة من التهميش، كان أبرزها توزيع الامتيازات العقارية على فئات أخرى في أرقى أحياء العاصمة، بينما حُشرت حصتهم في وعود آجلة أو أحلام معلّقة على مناطق الترحيل، لا تختلف عن قصص تُحكى للتسويف أكثر مما تحمل من إمكان التنفيذ.
إن هذا النهج يكرّس إضعاف الثقة بين المعلّم ومؤسسات الدولة، ويجعل من شعار إصلاح التعليم مجرّد لافتة تُرفع في المناسبات ثم تُطوى عند أول اختبار. ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا في أن يستشعر صاحب القرار خطورة هذا المسار، وأن يعيد الاعتبار للمعلّم لا بصفته موظفًا يطالب بحقوق، بل باعتباره رجل نهضة ورسول أمة.
فإنصاف المعلّم اليوم ليس منّةً ولا مكافأة شخصية، إنما هو استثمار وطني من الطراز الأول، به تُحمى الأوطان من الانهيار، وتُشيَّد قاعدة كل تنمية مأمولة.