تغذية حمام الدم في السودان لفرض البلقنة / الشيخ عبد الله الشيخ المختار باحث في القيادة الاستراتيجية

أخضلت الحرب في السودان وأخضبت وتمادت وتمددت حتى توارى الأمن، وعبثت قوى خارجية طامعة في ثرواته بهذا الوطن الإسلامي العريق، وأزهقت الأرواح، وانتهكت الأعراض، ويقتل الشعب باسم الشعب، وهناك دويلة مشئومة عربية اللسان، يهودية الجنان، ما دخلت أرضا إلا وأسرع إليها الخراب، وانتشر فيها الهرج، وعمتها الفوضى، وغذيت الصراعات الضيقة، لكن المظلوم له دعوة لا ترد، وعند الله تلتقي الخصوم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
غرق السودان المكلوم في أتون حرب لا تبقي ولا تذر، وحدثت مجازر لم يشهد لها التاريخ مثيلا، والعالم يتفرج على معاناتهم، بل يقف وراء إطالة أمد الصراع، وفداحة فاتورة الضحايا، والمشردين والنازحين إلى دول الجوار، وهذه الحرب تدور رحاها بين أبناء الدين الواحد وتلك مأساة حقيقية، فهل يعقل أن يقتل الناس بدم بارد وبهذه الوحشية؟! ويعزز هذا السلوك المنحرف روح الانتقام، والحروب تلد الحروب، ومع ذلك تجد العالم الإسلامي يمارس نشاطاته ولا ينبس ببنت شفة، ويقوم بالعمرة بعد العمرة، ويحج الحجة تلو الأخرى ثم تدفع الأموال لأمريكا لتؤمنهم، وإخوانهم يجاهدون عدوا لا يرحم مدعوم من قوى الشر الظلامية، وهم أولى بدعمك ومؤازرتك فإلهك إلهك والحرم الحرم.
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل
فخيولنا يوم الكريهة تتعب
ريح العبير لكم، ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الأطيب
لن تقف شرارة الحرب في السودان وسيصيب دخانها دولا أخر بله لهيبها، فعرابو الحروب يسيل لعابهم للثروات الباطنية في أية دولة لا سيما إن كانت إسلامية فتلك بقرة حلوب، ففي ظل الحروب يسهل نهب الثروات والتعامل مع مليشيا غير وطنية عبر تكريس استعمار اقتصادي وعسكري جديد، فتحمي العصابات المحتاجة للسلاح لتقايضها بالتنازل عن سيادتها فتبيع ثرواتها بثمن بخس، وتسيطر الدولة المتصهينة وظيفيا على الثروات، وتتحكم في مصير الدول الإسلامية، وتقطع الطريق أمام الدول الأخرى كالصين وروسيا وإيران وغيرها، وكل هذا أمام الصمت المريب من عالم يشهد ويصور وقصارى جهده يستنكر ويشجب ويندد، وهذا يشي بهوان الأمة أمام عنجهية المتدخل الأجنبي، فرحمة الله تغشى الفاتحين الأول الذين لا ينامون على ضيم
وقبر خالد في حمص نلامسه
فيرجف القبر من زواره غضبا
يا رب حي.. رخام القبر مسكنه
ورب ميت على أقدامه انتصبا
يا ابن الوليد.. ألا سيف تؤجره؟!
فكل أسيافنا أصبحت خشبا
لكنه غضب طالت أظافره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
يدفع السودان دفعا إلى البلقنة والتقسيم، فإقليم دارفور استعصى على الدولة المركزية وانسحبوا منه، وكذلك عجز الدعم السريع عن الاستيلاء على العاصمة، وهذا يجعل من الوارد أن تجلس الأطراف المنهكة بسبب تدخل الغرب وحلفاءه إلى التعامل مع قرار تقرير المصير كأمر واقع، فقد ينفصل إقليم دارفور الغني بالثروات كما انفصل الجنوب، وهذا ما جسدته مذبحة الفاشر التي تنفطر لها القلوب والأكباد لتقتل حلم توحيد الدولة، حيث لم يستطع الجيش الوقوف في وجه الساديين، ومصاصي الدماء، الذين يتملكهم الحقد، وقلوبهم كالحجارة لا تلين ولا ترق، فقد يصدر هذا من غاز كافر لكن أن يفعله من يدعي الإسلام فذلك ما لا يقبل به من لديه ذرة من الإنسانية والدين { أشداء على الكفار رحماء بينهم}.
فالمسلم لا يستحل حرمة دم أخيه المسلم وعرضه دون وجه شرعي، أي صلف هذا وأية عنجهية! حتى رأينا بأم أعيننا من يجبر على دفن نفسه وهو حي، ومن يقتل صبرا وهو يردد الشهادتين.
لم يرحم الدعم السريع أحدا وهو الذي أساء الجيرة وقطع أواصر القربى، وجمع كل الرذائل، ويدعي أنه داعية سلام ويتأسف على المجازر التي ارتكبها رجاله، أحشفا وسوء كيلة؟! وكأن المعتدين على أهل السودان من بني جلدتهم صهاينة يتخذون من قتل المسلمين قرابين، وما كاد العالم يفيق من حرب غزة حتى تذكر أوجاع السودان ومآسيه في حرب طاحنة أتت على الأخضر واليابس، ولا غالب فيها ولا مغلوب، ومن جبن الدعم السريع أنه عندما تتوالى عليه الهزائم يعمد إلى قتل النساء والأطفال والشيوخ والعزل، والتنكيل بهم كما تفعل اسرائيل، وكأن العدو ذاته، وبصمات العمل الوحشي متطابقة شبرا بشبر وذراعا بذراع.
على الأمة أن تنهض وتلملم جراحاتها وألا تقع فريسة للتفرقة المقيتة المذهبية، والعرقية، والعشائرية، وغيرها من النعرات الجاهلية التي هي وقود الحروب، ويجد الغرب والدول الطامعة بغيتها في بسط نفوذها على الموانئ، والبترول، والمعادن وغيرها، وهناك في دارفور دول أجنبية تنهب الذهب ضحى أمام ناظري الدعم السريع، وتدعمه ليقتل أخاه المسلم، وتنهب ما وقعت عليه يدها من المعادن النفيسة فأي خيانة هذه؟! خاب وخسر من باع وطنه ووضع يده في يد عدوه الحقيقي، ليمعن في القتل والتدمير، من أجل أن يحقق موطئ قدم لاستعمار مقيت لا يبالي إلا بمصالحه، ووجود دولة مركزية موحدة لا يخدمه، وفق فرق تسد، لأن التعامل مع مليشيا مجرمة لا تفهم معنى السيادة، ولا تعبأ بالتبعية وتحويل الحكومات إلى حكومات موز منزوعة الدسم، تجعل استغلالها أمرا واردا وممكنا، ويسهل مهمة أخطبوط الشر الذي يحكم العالم، ليوقعه في مصائده، فهو يتغذى على مآسي الآخرين، فمصائب قوم عند قوم فوائد.
وبعد هذا الليل الدامس الذي ينضح بالمأساة وتعتصر قلوب الأمة ألما لما يتجرعه إخواننا في السودان من النكال والتعذيب والقتل والتشريد، سينبلج ضوء الفجر حاملا معه أمل الأمة وتمكنها من السيطرة على قمرة القيادة من جديد.
نظار لكم أن يرجع الحق راجع
إلى أهله فتشجوا كما شجوا
على حين لا عذرى لمعتذريكم
ولا لكم من حجة الله مخرج
لعل لهم في منطوى الغيب ثائرا
سيسمو لكم والصبح في الليل مولج
بجيش تضيق الأرض عن زفراته
له زجل ينغي الوحوش وهزمج
فيدرك ثأر الله أنصار دينه
ولله أوس آخرون وخزرج




